محمد الأحمد

محمد الأحمد
كاتب عراقي

Search This Blog

Sunday, February 5, 2012



ابراهيم زيدان في (لا شذى إلا شذاك)
قراءه:
محمد الأحمد
يناورُ
الشعر ما بين العتبات فتارة يلعبُ بالمفردة- المرأة- ككينونة هائلة الوقع متغزلاً
بها جمالاً، صوتاً، وأداءاً، فتكون في موضع من الوطن- الحضن، ويكون الوطن كونّاً
يمتد من الافق الى الأفق فالشعر ينتج صورا متلاحقة، متتابعة تنبثق الواحدة من
الاخرى لتحقق معنى يقارب رسم مجرة تحوي شموساً وكواكب تديرها منظومة تجاذبية
الاخرى تؤثر على الاخرى كما في موازين الشمس التي تعطي ارضنا كل توازنها.. فالشعر
(من اليونانية poiesis) هو شكل وفن أدبي يستخدم الجمالية والصفات بين بقية الفنون
البصرية، والحسية. كما جاء في مقصد ابن خلدون حول الشعر: (هو كلام مفصل قطعاً
قطعاً متساوية في الوزن، متحدة في الحرف الأخير من كل قطعة، وتسمى كل قطعة من هذه
القطعات عندهم بيتاً، ويسمى الحرف الأخير الذي تتفق فيه رَوِيّا وقافية، ويسمى
جملة الكلام إلى آخره قصيدة وكلمة، وينفرد كل بيت منه بإفادته في تراكيبه، حتى
كأنه كلام وحده، مستقل عما قبله وما بعده، وإذا أفرد كان تاماً في بابه في مدح أو
نسيب أو رثاء). فالشاعر ادرك وحدة الهم الذي ينشد الخلاص منه، فأكد بأدوات ذكية
التورية، والتسلسلية الحريصة في وصول شفرته الى المتلقي، ولأجل ان يبقيه متواصلا
مع القصيدة التي يكتبها، لان الشاعر اصبح يدرك بأنها فرصة واحدة هي تلك التي يحظى بها
من قارئه، وهو شديد الحرص عليها، في عالم ازدحمت فيه رسائل الاثير المثيرة من
فضائيات وصفحات ويب، وخاصة صارت تحوطه من كل جانب في يُسرّ، فالشاعر مدرك لهذه الألوان
والمغريات التي تريد ان تأخذ منه قارئه، فصار يعرف ما له وما عليه، وان يجعل قارئه
يتمسك بما يرسل اليه، فتوسعت الادوات لدى الشاعر وصارت المعاني مبنية داخل قصائد
تعادل سردا متواصل الصورة، وتتبادل فيه الاماكن فالإحساس بالمقاصد، (وطن/ امراة/
كون)، (امراة/ وطن/ كون) فيرسل رسائله البديعة ضمن ما يستنتج القارئ.. (أيتها
القناديلُ التي أشعلتني من رمادي. آه... يا بلادي التي أخرجتني من رقادي، وأضاءت سماءَ
روحي أيها الشذى صرت بلسماً لجروحي أفيض لهفةً إليك) فالعقل حينما يتعامل مع
الصورة، فانه سيقوم بالبحث عن معنى ثابت لها بنوع من التفكير الإحصائي ذلك المعنى
الثابت الذي يخفق في التواصل مع حياة الصورة المتجددة دوما. (فأشتهيك ِ كل َ حين..
أيتها التفاحةُ التي طردت آدم من الملكوت. تمدينَ لي ثديكِ بخفوتْ، كي لا أموتْ). متواصلا
مع طروحات (باشلار) خاصة في كتابه المهم (شذرات عن شاعرية النار)، قائلا: (لقد
قضيت حياتي اعمل على جانبين، احداهما يندرج تحت علامة التصور، والآخر يندرج تحت
علامة الصورة)، وفي مكان اخر يقول ان الصور لا تصنف باعتبارهما تصورات، فهي لا
تحصر نفسها في دلالتها المعبرة –انما- على العكس من ذلك- انها تقصد تتجاوز دلالتها المعبرة دوماً. (multifonctionnelle) عنئذ فالخيال متعدد الوظائف)، فالشاعر
(ابراهيم زيدان) يوازن في قصيدته الاخيرة بين النداء والفكرة الحسيّة التي يبني
هكيلية معانيه عليها، بوصل (فخذيني أيتها
العيونُ التي لم تسع أحلامنا وارسمي لوحة ًمن دمي لعلني أرتمي بأحضانكِ مرةً، فأنتمي
للندى والحنين).. فالشعر قد ضبط معطياته بادراك الشاعر نفسه نشأة صوره المتتابعة
في حاضنة لسانية فلسفية حافلة المعنى، وفق منظموته السردية البليغة:- (أمضي باحثاً عن فضاء ٍ أثير. فأرى عنقودينِ يتدليان
ِ بحلمتينِ من عسلٍ.. امتص ُ رحيقهما فأولد ُ ثانيةً، وأنهض من الخراب).. استكمل
الوحدة الموضوعية في دعوة الى التفكير في الاشياء بدل التفكير في الجواهر
والمطلقات والكليات.. متوافقاً مع تصور التوحيدي للجمال (على اساس النظر الى الله
باعتباره وجودا مطلقا يجسد المثل الاعلى للجمال، وليست الكائنات الاخرى سوى مرايا
غير مكملة لهذا الجمال، تستلهم بهاءها وجمالها منه)، فالشاعر جعل الجمال افقا
رمزيا واجتماعيا وحضاريا هاما يتيح تأمل الذات والمجتمع، فأخذتنا القصيدة الشفافة
حيث الانسان وهمه المطلق، مستترة بقناع فني يشار اليه بالجمال والإبداع في انتاج
دالة عراقية استمدت شحنتها من شفافية مالها الى مسارات ثلاثة (اولها الفهم وقد يقع
مباشرة في غير حاجة الى الثاني وهو التفسير او الثالث حيث التاويل على ان تظل
النصوص المباشرة هي الاكثر ملائمة في منطق للغة للشرح او التفسير الى يقع اللفظ
على الخروج من المعنى الحقيقي الى المعنى المجازي، وتنحرف اللغة عن مسارها الطبيعي
في بحثها عن الجمالي والمطلق والمجرد، فتقوم قيامة القراءة وتدخل عوالمها الرحبة
من الدلالات التي يصعب معها التوقف مع واحدة دون اخرى[1]). لقد اجاد (ابراهيم زيدان)
المناورة في قصيدة (لا شذى إلا شذاك) مثبتاً بحرص بأنه المتجدّد المتصل في الحاضر.



[1] حسن حنفي – قراءة النص (مجلة ابداع المصرية)


(الحلم بوزيرة)...
وهيمنة التجاوز والتجديد
عند محمد الأحمد
مغامرة القاص غير
محفوفة بالمخاطر

انور عبد العزيز
كلما قرأت قصّة جديدة للقاص محمد الأحمد - ومنذ
سنوات - ازددت يقيناً أن هذا الكاتب يسعي ابداً للتغيير والتجديد والتحديث والتجاوز
لما هو مألوف لغة وثيمات وباسلوبيات تختلف بين قصة وقصة، وان كان يجمعها شيء أو محور
يحرص عليه القاصّ، فهو هذه التنقلات والأطر الجديدة التي بدت لازمة في اسلوبيات الكاتب،
فمن الصعب تجنيس منتجه الابداعي وحصره والاقرار بان ما كتبه هو (قصة قصيرة) أو (قصيرة
جداً) أو (نصّ) أو (خاطرة)، ويبدو حرص القاص كبيراً في محو أثر كل تجنيس وبالانفلات
من قيود مقررات النقّاد وحتي من الذائقة الأدبية العامة، ويبدو حرصه كبيراً في أن يحرّر
نتاجه من التشابه بين قصّة وقصّة وحتي في مجموعاته ككل، ويبدو أنه ليس من الكتّاب الذين
يحرصون علي أن يُعرَفوا بأسلوبية خاصّة بهم... اسلوبيات واحدة لا تتكرر... ومع هذا
يمكن القول ان الحكم علي نتاجاته نقدياً يمنحه صفة وملامح اسلوبية جوهرها هو هذا الشوق
الملحّ للتجريب الذي يصل به في هذه القصّة أو تلك لمراحل متباعدة جداً عن أقلّ المألوف
ليس في الواقع الحياتي فقط، بل وحتي في مغامرة الكتابة الادبية... كل هذا الكلام لا
يمكن أن يكون تخميناً وتجريداً لحالة الكاتب وهو يغامر برغبات وخطوات - محسوبة عنده
وربما ضبابية عند بعض القرّاء - خطوات وتقنية وسرديات اقتنع هو بها أولاً فصارت عنده
بما يشبه أن تكون عقيدة راسخة وهو يتلمس بها الحالات الانسانية لبلده في كل شؤون الحياة،
مع انه لا يسهو ابداً عن الشأن الشخصي اذ هو يراه - رغم كل الفروق - شأناً ملتحماً
بالهمّ العام بل هو افراز ونتيجة حتمية لمعاناة بلده في احزانه المرّة ومع اقسي حالات
التيه والوجع وشحوب كل المظاهر الكالحة التي كان يحلم أن يجدها بها مضيئة بهيّة مشرقة
في حياة الناس، وله ايضاً، فهو واحد من هؤلاء الناس لا يتميّز عن العديد منهم الا بعقل
نيّر وعينين واعيتين وضمير يشرّف انسانيته.. كانسان وقاصّ شاهد علي عصره وما جري لكل
ناس وطنه وله من محن ومآسٍ ومواجع أليمة...
لسنين وعقود أخذت تتطاول حتي بدت ألا منظور لانفراجها
حتي في زمن قادم لا يبدو انه قريب، فمع هذا الانتظار الخائب المملّ تفاقمت الحالة النفسية
للكاتب كانسان يتحسّس أبداً مسؤوليته تجاه ما يحصل مع عجزه عن فعل شيء ايجابي يوقف
فجيعة هذا التدهور المستمر لحالة بلده التي صارت مضرب مثل أو أمثالاً سيئة وعلكة حلوة
في فم الاعداء ومرّة في أفواه ناس بلده ومحبيه وعاشقيه... هذه الاسلوبية وهذا التجديد
الملحاح المتجاوز الذي يقترب من حدّ التطرّف احياناً...
لا أدري مدي اطمئنان كاتبه لوصوله الي اكبر عدد
من القرّاء والذين هم - وهذه بديهية - هدف كل كتابة... وتظلّ حكاية ماذا نكتب ؟ ولمن
نكتب، متجددة فاعلة مؤثرة، فان كانت قناعة الكاتب ان ما يفعله من وسائل حرث اللغة والبعد
النهائي عن السكون والتقليد واتباع كل غريب - مهما صعب - انه سيبلغ القرّاء ويحقق اهداف
القاص... فان نتاج ذلك الكاتب سيكون فعلاً عامل اثارة واعية وتغيير... اذا تحقق ذلك
فليتواصل الكاتب مع مشروعه - وفي كل محاولة لالوان التحديث - ليتحقق له ما يريد، اما
ان كان بمشروعه قد شطب علي مئات ولا أقول آلاف من القرّاء، عندها تظهر اشارات التشكيك
في غالبية كبيرة من نتاجات سعيه الحداثوي...
يمكن القول أن محمد الأحمد قد فتح أكثر من كوّة
بينه وبين قرائه وبخصوصية توجهه لمن نال الحدّ الاوسط - ولا اقول الادني - لمن هو قارئ
اصيل ومتابع ومتفاعل مع الحياة بكل منغّصاتها او اشراقاتها الضئيلة الخافتة المتباعدة
عبر الزمن...
القاص مبدأي في توجهه وايمانه بالمتحوّل ورفضه
للساكن الثابت الجامد... وهو يمتلك كل الثقة بمستحدثاته موثّقاً موقفه الحياتي والاسلوبي
باعتماد بيت شعري للشاعر الحرّ الرصافي في الصفحة الاولي من مجموعته القصصية : (سأقول
فيها ما اقول ولم أخف.. من ان يقولوا شاعر متطرف) وهو حتي في تثبيت هذا البيت الشعري
العمودي العروضي الخليلي... حتي في هذا البيت الواحد الوحيد الذي استعان به، فقد كتبه
بتشكيلة من عنده هو خروج علي المألوف... محمد الأحمد كتب بيت الرصافي بهذا الشكل:
سأقول فيها ما أقول
ولم أخف
من أن يقولوا
شاعر متطرّف
لماذا ؟! والبيت كما هو موزون وبشطرين... وللتوثيق
والأمانة... كان يجب أن يكتب كما رسمه الرصافي...
وزيادة في ترسيخ رؤيته فقد اتكأ واستعان بقول
لناقد غربي لم يسمّه وفي نفس الصفحة : (نقد الفنّ باعتباره مضموناً أو شكلاً ما هو
الا مسألة اختيار للاصطلاح المناسب لكن بشرط ان ندرك ان المضمون يشكل وان الشكل يملأ
وان الاحساس احساس مُشَكّـل وان الشكل شيء يُحسئيء)... يحسئيء (هكذا وردت مطبوعة)
- أعان الله أكثر من قارئ علي فهم هذا اللغز الذي ان بدا واضحاً للنقاد وللعديد من
القرّاء فانه سيبدو غامضاً عسيراً علي مدركات عديد من القرّاء أيضاً !
وهو ايضاً لتأكيد قناعاته ولايصالها للنقّاد
والقراء ينهي مجموعته القصصية بمقولات تراثية منها واحدة للعتابي اذ يقول: (البلاغة
إظهار ما غمض من الحق، وتصوير الباطل في صورة الحقّ) يعزّزها بمقولة للجاحظ نقلاً عن
أعرابي: (من التوقي ترك الافراط في التوقّي!)...
بعد ان يختصر رأي القدامي من أدباء التراث باثنين
فقط وقد قدّمهما (النص علي العلوم ومنه يجتاف العصر) يقدّم الكاتب القاص طروحاته وتنظيراته
النقدية في ست عشرة فقرة وبعشر صفحات (من ص 115 - 125)...
نجتزئ من هذه الفقرات بعض ما ينير ويضيء للقارئ
ويكشف عن مبدأية القاصّ فيما اختاره لنفسه من آراءٍ ومعانٍ واسلوبيات: (كلما تصوّرنا
أن نواجه الكلمات الاكثر سلطة من الصمت، الاكثر حيوية من النصّ، الا وغرقنا في تفاصيل
موقودة بالمحرّم بالممنوع )، (ما نكتبه الان يصبح بعد حين، بعد جفاف الحبر شيئاً بالياً
رغبتنا في التمزيق اكبر من رغبتنا بأن يبقي، وان يقرأ، وما ان يقرأ بعد حين يصبح ثاوياً
في مجد الذهن يطارنا ككابوس متسلّط متنفّذ علي آلية ما نكون به، ومازوشياً علي حيوية
ما نعرف)، (النصّ في تقلباته ضغوط ومخاوف يخرج للعالم، يكون حراً في أول ولادته، لكنه
يتحول الي ثابت مدلول بعناصر اشاراته، وعميقاًَ بمساحة مدولولاته، فلا يكون عارضاً
علي مبتكره القارئ الاول)... (ذلك اهاب تابوات المغلق برغم اصالة القالب المحوط لتلك
التناقضات التي يغويها القاص علي ما بها من تعارض او توافق )... (النص الحديث يهيمن
علي الوجه، يمنحه لوناً أخضر يدلّ علي حرية الحياة وحركيتها)... (النص المفتوح هو الخلاص،
لكن كيف ستتأقلم الكلمات بين ما نفكر به، وما يحدث علينا من استلاب حتي بلقمة الخبز
الطيّعة)... (فالنص يبقي عصيّاً، ومحاصراً ان لم تكتمل الرؤية، واذا اكتملت الرؤية،
يكون علينا ان لا نجعلها ضمن ما تضيق به العبارة) استيحاء ومحاورة لعبارة النفري بمدلولات
وتعابير عصرية... (دوغمائية الكتابة عطّلت التحدي , وابطلت التجديد والاتصال تواصلاً
بالحضارة... (النص الذي يعطينا هو الذي يستحق كل ما يأخذه منّا)... (الكاتب/النصّ:
هو حدّة الحساسية بحدة العاطفة / حساسية الكشف / التعامل مع الورقة بعاطفة (دون جوان)
المزيّفة... التي يتبعها مع كل امرأة بعاطفة تلائم عاطفتها... يغويها فتظلّ تبحث عن
طريقة اكثر تعقيداً من السابق في اغرائه ، فان نال ادار ظهره عنها)... (النص الحرّ
أقرب الي القلب، والآخر لا يبتعد بمكانه عن سلّة القمامة / مقبرة الاوراق!!)
(الحلم بوزيرة).. من اصدار سلسلة (سرد) لدارة
الشؤون الثقافية / 2010 في سبع وعشرين ومائة صفحة من القطع المتوسط، ضمّت ثلاث عشرة
قصة بين (قصة قصيرة) بمقاطع و (قصص قصيرة جداً) و (نصوص) و (خواطر) قاربت ان تكون حكماًوامثالاً
مرسومة ومكتوبة باراء وافكار وانطباعات وقناعات صاحبها (كاتبها) وبما هو منظور خاص
متجاوزاً للابعد والاكثر دفئاً وفاعلية وتأثيراً حيوياً عندما يرتبط - ولنقلْ النص
- بأقدار الناس واحوالهم متجاوزاً لآفاق حلم كبير او لاحلام تتجاوز قدراته علي ايجاد
حلول - ككاتب وأديب ليس غير - ولكن يكفيه منها شرف روح الحنان التي تغمر نفس الكاتب
وهواجسه في تعاطيه وتفاعله مع هموم الاخرين رافضاً مشهده كمتفرّج معزول بعد ان ظهر
- وفي كل قصص المجموعة - كانسان رأي في مسألة الحياد موقفاً مخجلاً بل ومخزياً، وبعد
ان استشرف بنظره البعيد وتأمّلاته - ككاتب - ان من المعيب عليه ان يهجر الساحة ما دام
في قلبه وقلمه نبض الاحساس التراجيدي العميق بوجود الآخرين... عناوين قصصه ملفتة للنظر
ورغم ان ذكر العناوين لا يغني عن القراءة الناقدة الفاعلة، فان اشارات العنوان كفنارٍ
هادٍ و (كثريّا) كما وصفه النقّاد وهو يحمل دلالاته أن احسن الكاتب اختياراته رغم ان
العنوان - بحد ذاته - يعتبر اشكالية في عدم ايصاله لما يطمح اليه القاص... كقارئ تحسست
أن محمد الأحمد كان متوافقاً معبراً عن مضامينه في قصصه : (فضاء كله دم، الحلم بوزيرة،
موسيقي قصص الحب، الدروب التي لا تتصل بطريقي، نهض الأب، الضحك (وهذه قصة في منتهي
المفارقة والسخرية الجارحة الأليمة والتمزّق الانساني)، ليلة أخري، كذبة فاقعة للزمن
الفاقع، جثّة قد تأجّل موتها، حكاية الاسرة، شاي حارّ، خمس مقامات في السياسة، خسارة
متأزّمة بالفقدان)...
واذا كان العنوان بمثل هذه الاهمية البالغة
( وان كان بعض النقاد قد بالغ وغالي في فعّالية العنوان حتي انه جعل النص كله متمثّلاً
في العنوان )... حيوية العنوان والاسطر الاولي من النص لم تجعل القاص محمد الأحمد غافلاً
عن نهايات كل نصوصه، فالنهايات وعبارات اغلاق النصّ لها الاثر الكبير في الحكم علي
النص ايضاً، إذ أن ترقّب القارئ للنهايات وتأثره بها - ولا اقصد نهايات المفاجآت المفتعلة
والمتكلفة - ستضاف لمخزون ذاكرة القرّاء، ان كثيراً من القصص الجيّدة والابداعية ظلمها
مبدعوها بنهايات خائبة بدت في هزالها وشحوبها وكأنها شيء غريب عن النص الذي كان سيجيء
في منتهي الجودة الابداعية لولا اضطراب وارتباك القاص وعجزه ان يجد لنصه نهاية هي من
جنس ما تفاعل به مع العنوان والمقدمة وثراء النص عموماً...
(الحلم بوزيرة).. انجاز قصصي متفاعل مع الهم
الانساني العام وفي اصعب حالات القهر... ويشكل باسلوبياته المتحررة أبداً اضافة نوعية
للمنجز القصصي العراقي الذي يتسارع ابداعياً - كماً ونوعاً - وبجدارة الندّ للنتاج
القصصي عربياً وعالمياً...

12/2011/ Issue 4059 - Date 1-

محمد مدحت حسن



(سماء
الاصوات) للشاعر (محمد مدحت حسن)
قراءة:
محمد الأحمد
قد
توقظ القصيدة اسئلة مؤرقة لتكون شاهدة عصرها على مسيرة إنسان اخذته الاحلام
ألضائعة اكثر من الاوهام التي فرضت حضورها عليه فكراً، وامتدادا لماض مقموع لا
يتصل بحاضر متحرر.. خاصة بعد ان حضر العصر صدّاماً موضوعيا يلغي نفي العقل، و يتصل
بمفهوم الفكرة الأصلح والأثبت.. فالقصيدة مكون تراكمي من ثقافات تصاعدت كالمدن
التي حضنت الأنهار وامتدت لتكون موروثاً متناسقاً من اللغة، والهندسة العمرانية،
والتسامح.. على اعتبار ان البشر خطّاء، ومسيرته كلها قصيدة لتصحيح تلك الأخطاء كما
كتبها هوميروس في الياذته الذائعة الصيت، والتطبيق، فقد اراد ان يؤسس الانسان
الاول نقطة ارتكازه على نقطة وجوده واخذ يتسع حول النقطة التي صارت محور كينونة
تفترشها الموسيقى الكونية، والمفردة الحادة، المحددة.. فـ(في السبعين يتنهد وهو
يتنفس، رجل يجلس تحت عريشة عنب أخضر بين نهرين على الحافة ذاكرته الشاسعة خالية من
المدن ونسائها- ص45)، الشاعر يجابه المفردة بسحرها، ويحاكمها على انها نتاج عقل
تواصل بالتدوين، والتاريخ هو لم يكن منتصراً على كتابه، ولو كان منتصرا لما كتبه
المنتصرون، فثمة مقارنة ما بين النهر، والنهر، وما بين المدينة والاخرى.. حيث
المدن امتدت اقانيم ثقافة متبادلة متطورة متواصلة الواحدة بجارتها، كما يرمم
ادونيس الفكرة بأن (الابداع الجديد متواصل مع الابداع القديم، وان الحداثة نوع من
الاستمرار لما في الماضي من الرؤى الخلاقة. وهذا الاستمرار متناقض مع الاستمرارية
التقليدية – الخيطية. فالقول السائد بهذا النوع من الاستمرارية يكشف عن موقف يرى
التراث كانه كبّة غزلّ يلتف على نفسه حاملا خصائص الخيط الواحد، الموحد[1])، الشعر اكتشاف لذاكرة
تتحدى النسيان، بل وتطمره بزحفها المتواصل بالمعرفة اذ ينهض النسيان من التدوين، ينتفض
كمعلومة تحتاج الى المعلومة الاولى التي اثارتها فلا يكون النسيان نسياناً. كذلك
الكتابة، لا تكون حروفاً يفترض مساحتها الحاضرة على الذاكرة المختزنة كمدينة
معرفية قائمة بتاريخها، ومكانها (متى كان العالم مغلقاً ومعلقاً بين فكي ايام
قصيرة مثل الآن ص20), الشعر مدن في ذهن الشاعر تتواصل، معرفيا من شفرات تقرأ وتهدم
ما كان قبلها، حيث الشاعر يتجنب الهدم ولكنه يفترضه كحال واقع فيكون انزياحا
بمعرفية اكثر تواصل مع عصرها (سماء الاصوات سقطت فوق الاحلام في الكتب، غنّت لي
حياتك من مصادفة الرايات الصغيرة. سكتُّ، لن اهزم من إيمائه ولكني خفت على رائي
الخوف في الشقوق. وخفت ان يولد معنى اخر لأجنحة الدم.. خفتُّ وتركت فمي يسيل أقصد
إني محوت الذئب بالصمت- ص 14)... تتوالى الاسئلة في قصائد قصيرة حملت زخة مطر
مبللة، قصائد اسمت نفسها باقناص اللحظة الاولى لبدء السؤال، والسؤال الذي ينزل
مطرا من السماء ليعيد للارض خضرتها، فيكون الماء رمزا لتواصل العطاء، فيتواصل
الشعر عند (محمد مدحت حسن)، تواصلاً متوالياً فالفكرة تختصر السؤال، والسؤال، يريد
اجوبة حاضرة بالمعرفة، (فالكلمة الشعرية تستدعي ما يكون هناك في العالم الخارجي
لكي يكون قريبا منا حاضرا في الكلمات، وكان الكلمات هنا بمثابة - قواقع الكلام او
الحديث- كما عبر عنه باشلار في كتبه شاعرية احلام اليقظة بقوله: نعم حين نسمع بعض
الكلمات كالطفل الذي يسمع البحر في قوقعة- د.غادة الامام[2])، فالمفهوم وفق النظرة
البشلارية هو الوسيط الذي يبدع بنفسه كل جديد، فالصورة ليست قصية في القصيدة انها
مرسومة بعناية ومتواصلة (الخيال الادبي هو ايجاد الواقع بالكلام، هو الرسم
بالكلمات- من كتاب لهيب شمعة لبشلار)...
(سماء
الاصوات[3]) دعوة قرائية لشاعر اراد ان
يسال ويعمق اسئلته بالمعرفة ألتاريخية فثمة موسيقى ذكية تنداح من اسطره الدفّاقة
بالمعاني، بحضور يجعلنا نقرا المجموعة بحبّ وشغف مؤشرين: أنه شاعر الذي حضر عصره بأسئلة
جدية، تفرض حضورها بحضور قصائده الطيبة..

‏21‏-
كانون الثاني ‏-12
[1] ادونيس زمن الشعر ص 145 الصادر عن دار الساقي
لندن
[2] جماليات الصورة
ص315 طبعة دار التنوير2010م
[3] مجموعة شعرية صادرة عن مكتبة عدنان شارع المتنبي
ببغداد...


حكايتي مع رأس مقطوع
رواية صادرة
عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2011م، المؤلف تحسين كرمياني – كاتب من العراق
قراءة: محمد الأحمد
المخيلُ الحكائي يفتتحُ امام عشاقه
القراء على الدوام الاسئلة الحيوية التي تحتاج الى ابتكار يوازي واقعية الافكار
المسطرة ضمناً، أو علناً فتزيح بالخيال المفترض قناعة لتضع اخرى غيرها اكثر
موضوعيه منها. وأكثر ثباتاً لتستقر بذهن المتلقي.
تلك فلسفة متخيل حكائي ترسمه المعاني
التي تنزل على السطور المفترضة ليرسم رؤية تتواصل بإيحاءات تفترش الاجوبة المضمرة بالإيقاعات
الموقدة للذهن حتى يأتي الجواب المضمن كما كان يؤولها (غاستون باشلار) الى
إشعاع متموج، وتحول الاشعاع الى مادة بحيث ينظر للمادة والإشعاع على انهما
متناظرتان حتى يصبح للمادة نفس الخصائص المميزة للإشعاعات من مزايا تموجية
وإيقاعيه (فلا وجود للمادة إلا في الإيقاع وبالإيقاع. فهذا حدس جديد قائم بقوة على
مبادئ الفيزياء التموجية المعاصرة
[1])، حيث التعامل مع رأس بشري
مقطوع امر في غاية ألبشاعة والترويع، والتقزيز.
هكذا بات (البطل الروائي) كابوسا
مريبا بقي يعيشه المؤلف الروائي في ان ينجز كتابة روائية عن واقع عراقي الإيقاع
وإقليمي الاتجاه. من بعد ان فقدت الاشياء الجميلة، والجديدة رونقها عندما وجد (المؤلف)
الراس المقطوع وحمله في كيس ودون علم من احد ليبقى يحدثه عن فلسفة الفصل بين الراس
وبقية جسده.. حمله سرّاً متيقنا بانه السر الذي يلهمه كتابة سطور هو بحاجة الى
قولها. (أي ان العلامات لا تمتلك معنى لأنها تطابق شيئا واقعيا او جوهريا ولكن
لأنها تنشأ ضمن شبكة من الثنائيات المتقابلة والمتضادة والمختلفة التي تشكل في
النهاية اللغة- دريدا).. كانه وجد لسان حاله الذي سيمليه ما على المؤلف قوله.. يهديه
نصاً يرصد الواقع ويتدخل في تفاصيله.. فينفي المظاهر وينكر الوقائع ويحول ملحمة الرأس
الذي كان مقذوفا به الى القمامة الى ملحمة رأس تحدي بدلا من ان يكون مهملاً سمجاً،
ويتحول الى فعل اعتراضي (سوف اكون من سكان العالم، رغما عن هذا العالم
[2]). انه رأسٌّ لأسئلة تحاول
ان تفرض كيانها التعبيري، والشكلي، لتتحول من اسئلة ادب تطرحها حكاية لتثير اسئلة
وجود.. يفرضها الواقع كون الملحمة هي ابنة العقل الذي يتصور العالم مليئا بالصيغ
الفاعلة المؤثرة.. كأنها ملحمة عاصفة يلفها السحر والأشباح فالتاريخ هو مسيرة
العقل من اجل وعي ذاته (لا يعني هذا ان الملحمة لم تتحدث عن افعال وشخصيات واقعية
بل يعني ان هذا الواقع كان يعمل ضمن قصور عقلي في فهم العالم افرزته مرحلة التطور-
من تاريخ الرواية
[3]
ذلك هو رأس يحكي قصة حب لم تتطور الى حكاية مثيرة كما مفتتح حكاية المؤلف وسلواه كراوي
يريد الروي ولم يكن من بدّ إلا تدوين حكاية الرأس المثير للجدل.. فيتحول المؤلف
الى مصغ جيد الى حكاية الراوي كـ(رأس) محولا الخوف منه وعليه الى سرد منتظم يحتوي
على واقع معاش لا يقل بشاعة عن الصورة نفسها.. (كان فاتحا عينيه، ابتسمت مفرغا
شحنات جسدي من الغضب الذي توالد لم يبتسم، ظل يمتلك صرامة في التحديق اخرجته
ووضعته أمامي قال لا ينفعل كاتب الرواية حين تسكنه فكرة ما- الرواية ص 107)..
تأثثت الحكاية على المفارقة الصادمة التي
وجهتها الراس المقطوع الذي لم يعرف الرواي من صاحبه حيث حيوية الكتابة جعلته
ينطلق، ويعترض ويتقول ما لم يقوله (ذلك الرصيف قيل ان مقاولا (لطش) الفلوس المخصصة
لتعميره، سرق الفلوس نهارا وغادر من غير وجود عيون قانونية تلاحقه لتعاقبه-
الرواية ص 13) بشكل سردي متوازي مع ما
يحمله المؤلف من افكار حيث صار الراس مؤلفا يملي على الكاتب شهادته وسيرته التدوينة
دون التفات الى عفوية القناعة.. يحاول المؤلف ان يخفي عن زوجه القصة (لأجل ان لا
تروع الشريكة)، في حكايته المبتكرة مع الراس حيث تتصل بالحكاية الاولى حكاية
الدمية مقطوعة الراس التي تتحول الى راس بشري لم يمت فيأتي (صوتاً) ما في جعبته كل
ما يريد السمّاع سامعة.. لقد اوجدت الحكاية فراغا غامضا ارادت الاشارة الى ان
الدمية هي التي انفلتت من جسدها ووصلت اليه في لا وعيه لتستقر فوق الدولاب، وتنطلق
نيابة عن المؤلف مؤلفه.. فهي تعود بنا الى قصة فليم (اللعبة تشاكي).. ورأسها
الرهيب فتلك قصة اخرى من تلك الصورة المخيفة التي يرويها المؤلف مع راس الدمية
المقطوع والتي تحسسه وتثير فيه التشاؤم..
نودُّ الاشارة بان (تحسين كرمياني)
رسم بإبداع نصاً يقول بفكرة مبدعة ما كان على المبدع ان يبتدعه.. دونت كحكاية
جديرة بالقراءة وجديرة بالتأشير لما فيها من سرد وهدف نبيل.
‏02‏
كانون الثاني‏، 12
[1] غاستون باشلار
جدلية الزمن...
[2] غاستون باشلار
جماليات المكان...
[3] حنا عبود ص 10


نصوص (حربيات) للقاص مشتاق عبد الهادي

قراءة: محمد الأحمد
غالبا ما يُذكي النصُّ الذكيُّ اوجاعاً بالغة الوقع حينما يحقق كـ(نص ادبي) هويته التدوينية الشاهدة على عصرها النازف في زمن الصراعات والمطاحن والحروب الإقليمية. فالنص الشاخص يشبة علامة بارزة تكشف وجه عصرها، وأزماته لتخترق بتحدّ كلّ رغبات الرقيب، ومقصاته الدامغة. وتكون بثقافة سمتها العمق المعرفي، ومساحتها الزمن (التاريخاني) كما ذهب (جورج لوكاتش)، فالكاتب (مشتاق عبد الهادي في مجموعة نصوصه الموسومة بـ "حربيات" الصادرة عن دار الينابيع 2011م) هو مسار الأزمنة وخطها الذي يشير الى كل ما هو محذوف بدلالة الشاهد على الغائب والغائب بأثره المحفور، المستنتج، المعلوم. كما يُجزم (دولوز) أن الإشارات تُفضي إلى التعلُّم، ليس إبداعياً فقط، إنما حياتياً أيضاً: (لا يصبح المرء نجّاراً، إلاّ إذا كان حسّاساً حيال إشارات الخشب، أو طبيباً، حيال إشارات المرض. فالموهبة هي استعداد أولي إزاء الإشارات)، فالكتابة هي بوح لا يتأخر، يعطي الصورة الحقة ليأخذ موقعه في مسيرة موقف من الحياة والمجتمع، يدوّن الصورة ليكشف ما على الانسان من استلاب فيكون احتجاجاً صارخاً.. ذلك النص الشفيف الذي استدرج ذاته في لحظة كتبت وهي تنزف ألماً، وتبوح بما لم تبحه النصوص العراقية، كمن يرمي حجراً في الماء ليحركه- لتبدو- تقرّب فهم النص الذي ينطوي على علاقة جدلية بين النص في مجمله من ناحية، وقارئه باعتبار هذا النص لحظة تاريخية وسياقة اجتماعية مغايرة. (انهارت في لحظة جميع النظريات التي تؤكد عدم جدوى السلاح، فها هو قد تحصن من الجوع لساعات بعد ان قايض البندقية برغيف خبز يابس- ص7) لقد غيبت النصوص سردها القصصي، ونفت صورها الموصوفة بشعرية مختزلة، شفافة، اذ صارت الاشارة فيها تكمل ما اراد الكاتب ان يسرده كقصص قصيرة جداً، جاءت في اغلب العتبات كرسائل قصيرة (مُبرقةٌ).. حيث احتوى الكتاب على فهرس متكون من ثلاث عشر مجموعة انضوت كل واحدة منها على نصوص قصيرة عدة . صارت شخوصا، وصارت مفارقات، كجنس حديث اقتضته ضرورة العصر، من سرعة واختزال. نصٌ اراد الرميّ، فأصاب.. نصٌ ادبي اختلف المختص حول تسميته، بعضهم قربه من مصطلح القصة القصيرة جدا (اقترب من الصورة)، والبعض الاخر ابعده الى قصيدة النثر (ابتعد عن السرد). وغالبا ما يحتاج الى منهج نقدي يركز على تفسير النص بشكل عام وربطه بزمن كتابته، وأيضا محاولاً فك العقد المتشابكة حول طبيعة النص (كجنس ادبي) وعلاقتها بالكاتب وعلاقة بالموروث، والأسطورة، والوجود (اخر الفتاوى تلقاها تؤكد ان النقاء رجسّ يجرك لبساتين السماحة البغيضة، لذلك فجر صحون الحليب- ص 49) بالإضافة الى علاقات النص بطبيعة كاتبها النفسية، لاجل ان يركز على علاقة المفسر بالنصّ في استقلال عن قصدية المرسل. كون الذات الساردة بعدت عن العنصر الاساس الذي يجعلها ساردة صورة متكاملة، فالعلاقة متكونة من الدال والمدلول، والتركيب يعني علاقة الكلمات ببعضها، والتبادل يعني التشابه والاختلاف بين شيئين.. كلّ يستنتج الشفرة وهي التي تحدد الدالة الأدبية.. (يستبدل فواكه بستانه الطرية بفواكه المومسات التالفة لا لشيء إلا لأنه كان مولع بمقايضات المختلفين- ص81). فوظيفة التحديد المفرط تتوخى الوضوح، كوظيفة التحديد الاقل تتوخى الغموض.. فذا كان منهج (هيجل) في مثاليته وموضوعيته تناقش كون الفكرة هي الروح وهي ذاتها جوهر العالم، وعلى ان الواقع بظواهره ونشاطاته واشيائه تجسيد لهذا الجوهر وتعبير عنه.. اي ان الوعي سابق على الوجود والواقع تجسيد للفكر ومظهر له، فان اغلب نصوص الأرض قاطبة، تتخذ المنهج الموضوعي القائم على جدل (اساس العالم يخضع في تطوره لحركة جدلية لصراع داخلي يدفعه الى الحركة والتغيير بالانتقال الى نقيضه)، فالنصوص التي حملها كتاب (حربيات).. هي نصوص استثنائية لها كيان بشكل اعتراض واحتجاج ورفض.. اعتراض في طرح المضمون واحتجاج على الاستلاب ورفض للشكل السردي، فاغلبها نصوص جاءت مشحونة بلغة تشير الى انها تحتاج الى قارئ متفاعل بزمن، وثقافتة كاتبها.. حيث يؤكد (فولفانغ آيزر) التفاعل بين النص والقارئ.. (تكون شفرة ما محددة بإفراط حينما تكون معلوماتها السردية الساخرة، والتاويلية والرمزية واضحة جدا ومشفرة بإفراط وتعود الى ما وراء نطاق الحاجة الى المعلومات، وعندئذ، وبمعنى معين يكون القاريء مشفرا بافراط ايضا ويظهر في النص "متكلفاً" احيانا مثل شخصية خارجية كما في الحالة التي نوجه الكلام فيها الى شخص بصورة مباشرة ).. لقد اختزل النص مساحة رائعة من القول وكان بالرغم من بعض هنات العجالة ان يعطينا شحنة من الكلام الذي بقي يتفجر في الذهن، ويتعاطف مع الهمّ العراقي الكبير. لقد استطاع (مشتاق عبد الهادي)، ان يحقق نصاً جميلا يدلّ على كاتبه، ويدل على زمنه ومساحة ارضه.. (كان يراقب بحزن رتيب سماء تمطر ضوءاً حال وصوله الارض ينطفئ ليتحول الى عتمة مطبقة- ص91).. طوبى لنص يستمر القول بعد قراءته فيثير جدلا، واستحسانا بمحبة..

‏الخميس‏، 02‏ شباط‏، 2012