حكايتي مع رأس مقطوع
رواية صادرة
عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2011م، المؤلف تحسين كرمياني – كاتب من العراق
قراءة: محمد الأحمد
المخيلُ الحكائي يفتتحُ امام عشاقه
القراء على الدوام الاسئلة الحيوية التي تحتاج الى ابتكار يوازي واقعية الافكار
المسطرة ضمناً، أو علناً فتزيح بالخيال المفترض قناعة لتضع اخرى غيرها اكثر
موضوعيه منها. وأكثر ثباتاً لتستقر بذهن المتلقي.
تلك فلسفة متخيل حكائي ترسمه المعاني
التي تنزل على السطور المفترضة ليرسم رؤية تتواصل بإيحاءات تفترش الاجوبة المضمرة بالإيقاعات
الموقدة للذهن حتى يأتي الجواب المضمن كما كان يؤولها (غاستون باشلار) الى
إشعاع متموج، وتحول الاشعاع الى مادة بحيث ينظر للمادة والإشعاع على انهما
متناظرتان حتى يصبح للمادة نفس الخصائص المميزة للإشعاعات من مزايا تموجية
وإيقاعيه (فلا وجود للمادة إلا في الإيقاع وبالإيقاع. فهذا حدس جديد قائم بقوة على
مبادئ الفيزياء التموجية المعاصرة[1])، حيث التعامل مع رأس بشري
مقطوع امر في غاية ألبشاعة والترويع، والتقزيز.
هكذا بات (البطل الروائي) كابوسا
مريبا بقي يعيشه المؤلف الروائي في ان ينجز كتابة روائية عن واقع عراقي الإيقاع
وإقليمي الاتجاه. من بعد ان فقدت الاشياء الجميلة، والجديدة رونقها عندما وجد (المؤلف)
الراس المقطوع وحمله في كيس ودون علم من احد ليبقى يحدثه عن فلسفة الفصل بين الراس
وبقية جسده.. حمله سرّاً متيقنا بانه السر الذي يلهمه كتابة سطور هو بحاجة الى
قولها. (أي ان العلامات لا تمتلك معنى لأنها تطابق شيئا واقعيا او جوهريا ولكن
لأنها تنشأ ضمن شبكة من الثنائيات المتقابلة والمتضادة والمختلفة التي تشكل في
النهاية اللغة- دريدا).. كانه وجد لسان حاله الذي سيمليه ما على المؤلف قوله.. يهديه
نصاً يرصد الواقع ويتدخل في تفاصيله.. فينفي المظاهر وينكر الوقائع ويحول ملحمة الرأس
الذي كان مقذوفا به الى القمامة الى ملحمة رأس تحدي بدلا من ان يكون مهملاً سمجاً،
ويتحول الى فعل اعتراضي (سوف اكون من سكان العالم، رغما عن هذا العالم[2]). انه رأسٌّ لأسئلة تحاول
ان تفرض كيانها التعبيري، والشكلي، لتتحول من اسئلة ادب تطرحها حكاية لتثير اسئلة
وجود.. يفرضها الواقع كون الملحمة هي ابنة العقل الذي يتصور العالم مليئا بالصيغ
الفاعلة المؤثرة.. كأنها ملحمة عاصفة يلفها السحر والأشباح فالتاريخ هو مسيرة
العقل من اجل وعي ذاته (لا يعني هذا ان الملحمة لم تتحدث عن افعال وشخصيات واقعية
بل يعني ان هذا الواقع كان يعمل ضمن قصور عقلي في فهم العالم افرزته مرحلة التطور-
من تاريخ الرواية[3])،
ذلك هو رأس يحكي قصة حب لم تتطور الى حكاية مثيرة كما مفتتح حكاية المؤلف وسلواه كراوي
يريد الروي ولم يكن من بدّ إلا تدوين حكاية الرأس المثير للجدل.. فيتحول المؤلف
الى مصغ جيد الى حكاية الراوي كـ(رأس) محولا الخوف منه وعليه الى سرد منتظم يحتوي
على واقع معاش لا يقل بشاعة عن الصورة نفسها.. (كان فاتحا عينيه، ابتسمت مفرغا
شحنات جسدي من الغضب الذي توالد لم يبتسم، ظل يمتلك صرامة في التحديق اخرجته
ووضعته أمامي قال لا ينفعل كاتب الرواية حين تسكنه فكرة ما- الرواية ص 107)..
تأثثت الحكاية على المفارقة الصادمة التي
وجهتها الراس المقطوع الذي لم يعرف الرواي من صاحبه حيث حيوية الكتابة جعلته
ينطلق، ويعترض ويتقول ما لم يقوله (ذلك الرصيف قيل ان مقاولا (لطش) الفلوس المخصصة
لتعميره، سرق الفلوس نهارا وغادر من غير وجود عيون قانونية تلاحقه لتعاقبه-
الرواية ص 13) بشكل سردي متوازي مع ما
يحمله المؤلف من افكار حيث صار الراس مؤلفا يملي على الكاتب شهادته وسيرته التدوينة
دون التفات الى عفوية القناعة.. يحاول المؤلف ان يخفي عن زوجه القصة (لأجل ان لا
تروع الشريكة)، في حكايته المبتكرة مع الراس حيث تتصل بالحكاية الاولى حكاية
الدمية مقطوعة الراس التي تتحول الى راس بشري لم يمت فيأتي (صوتاً) ما في جعبته كل
ما يريد السمّاع سامعة.. لقد اوجدت الحكاية فراغا غامضا ارادت الاشارة الى ان
الدمية هي التي انفلتت من جسدها ووصلت اليه في لا وعيه لتستقر فوق الدولاب، وتنطلق
نيابة عن المؤلف مؤلفه.. فهي تعود بنا الى قصة فليم (اللعبة تشاكي).. ورأسها
الرهيب فتلك قصة اخرى من تلك الصورة المخيفة التي يرويها المؤلف مع راس الدمية
المقطوع والتي تحسسه وتثير فيه التشاؤم..
نودُّ الاشارة بان (تحسين كرمياني)
رسم بإبداع نصاً يقول بفكرة مبدعة ما كان على المبدع ان يبتدعه.. دونت كحكاية
جديرة بالقراءة وجديرة بالتأشير لما فيها من سرد وهدف نبيل.
02
كانون الثاني، 12
[1] غاستون باشلار
جدلية الزمن...
[2] غاستون باشلار
جماليات المكان...
[3] حنا عبود ص 10
No comments:
Post a Comment