محمد الأحمد

محمد الأحمد
كاتب عراقي

Search This Blog

Friday, August 7, 2015



كتاب الحندل وأبوابه [1]
                               

                                  بقلم
محمد الاحمد


1
بقيتُ كلما أنزل درجة من الدرجات الهابطة الى القبو المظلم العتيق، تضرب بأنفي رائحة العفونة المتصاعدة، والرطوبة المتضوعة من باطن الأرض. بينما أشدّ بأصابع يدي اليسرى ضغطاً على المصباح الصغير الذي دعمتهُ ببطارية جديدة، تحسباً للطوارئ. بدت الدرجات الخمس عشرة تتداخل مع بعضها، وتصرّ تحت قدميّ، كأنها غير محتملة بدانتي، وأنا أحس ليونة الدرجات، رغم ثباتها تتطوح بيّ. فأوجه ضوء المصباح الى موضع القدم مرة، وأخرى أحولها إلى أمام دون أن أجد شيئا يعيقني عن الخطو، لاهبط متوغلاً الى العمق. في تلك اللحظة فكرت أن أعود أدراجي، و أؤجل رغبتي بالاكتشاف الى ما بعد تجهيز المكان بضوء الكهرباء الذي سييسر الرؤية.
ولكن الدرجات الصغيرة جداً والمتتابعة وصلت بيّ الى الأرضية، وراحت قدماي تتحسسان تراكم التراب الناعم الذي يشبهُ الدقيق عندما تتحسسه الأصابع..
كان ضوء النهار الذي دخل من الباب الخارجي قد وضح لي الباب الكبير الذي واجهني بعد الدرجة الأخيرة مباشرة، وعليه مطرق نحت على هيئة "ذيل ديك" في غاية الجمال.. دفعتُ الباب برفق، وتبيّن لي أنه كان مقفولا من الداخل، طرقت بالمطرق ولم يرد عليَّ أحد، وإذ به يتخلخل متهشماً غير محتمل لدفعتي وفتح على مصراعيه مهيجاً البوغاء [2]،فصرت بعطاس متواصل،ولكني دلجتُ مندهشا إلى دكنة الباحة متفرسا رجع الصدى..
نقلت المصباح الذي إلتفت عليه أصابعي بقوة، وصارت دائرة الضوء الصغيرة على مكتبة جدارية ، فاجأتني. وتقدمت أليها أكثر حتى أصبحت على مقربة خطوتين. حدقتُ في ما يحيط بي من أشياء، ولم يكن بجانبها سوى منضدة كتابة واطئة، عليها سراج زيتي. وبقربها كرسي صغير متحرك مثل الذي يستخدمه المعوقون. رحتُ أتقدم نحو المكتبة التي اجتذبتني بكتبها المتراصّة، وأخذت أزيد شدّاً بأصابعي على المصباح الصغير، مثلما يشد الفارس اللجام على الفرس المنطلقة بلا هوادة. وقبل أن تصل أصابعي الحرّة الى الكتب، أزحت من أمامي نصف كرسي آخر واطئ أيضا. تعثرت به، وبعدها وصلت الى المجلدات الكبيرة التي رصفت بعناية فائقة، وحسب تسلسلها بالحجم..
مسحت برؤوس أصابعي التراب الذي أخفى لونها، وبدت لي أكثر قتامه بسبب الضوء الشحيح. ولم أستطع أن أقرأ أي عنوان رغم أني قربت المصباح من حافة الكتب، ولم يكن لي بدٌّ إلا أن أسحب كتاباً لأعرف أي كتب هذه ؟ كان ملتصقاً مع الآخر  الذي بجانبه، وبذلت مجهوداً كبيراً عندما سحبته إليَّ مرة أخرى، فوجدته خفيفاً، وأوراقه ملتصقة ببعضها. وبعدما فتحته تبيًن لي كالعلبة الفارغة إذ نَخَرَتَهُ حشرة الأرضة من الداخل، ولم يبق منه سوى هيكله الخارجي، فأعدته الى مكانه خائباً، صرت أقلب كتاباً آخر، وآخر: حتى تيَقنت بان الكتب جميعها طالتها خراباً تلك الحشرة الفاتكة بمجموعها المقدر اكثر من خمس مئه كتابا، فقلت:
- أنها ثروة عظيمة تفوق أية ثروة..
أقشعر بدني، تراجعت خطوتين عندما سمعت صوتاً ما، تهيأ لي أني سمعته، ووجهت الحزمة المنطلقة من مصباحي يميناً وشمالاً، ولم أجد شيئاً يدل على الصوت سوى مسحف هنا،أو وزغ هناك. فقلت: لا يمكن أن يكون ذلك الصوت إلا تهيوءآت!.
بقيت رائحة الكتب في أنفي، بالرغم من العطنة.. مثل أي روعة تتخلل الروائح المزيجة، مثل فرح عابر تخلل الحزن المقيم.. فرحي أول رؤيتي للكتب، كان طاغياً، ولم يكن إلا انكساراً بعد أن ضربتها القتعة!.
وجهت الضوء الى الأرض، وكان البلاط معفراً، ورحت أتابع ما يسقط عليه من الضوء الشحيح. أخاف أن تلدغني حشرة ما من الهوام، ولكن فصل الشتاء جعلني مطمئناً..
كنتُ متيقناً بان أصحاب الدار الذين تناوبوا على ملكيتها ظلوّا لا يعلمون شيئاً عن هذا القبو على الإطلاق .. و إلا لكانوا ذكروه، أو لاستفادوا من خنثره [3] شيئاً، وخصوصاً الأخير منهم الذي عرفته بخيلاً الى حدّ اللعن، فقد أتفق معي على أن تكون كافة التكاليف الرسمية على عاتقي، لم يكن أحد قد سكنه من الذين اشتروه عرف القبو، ولم يكن لأحد منهم الوقت الكافي ليكتشف ذلك، لأن بابه الصغير كان مخفيا تحت التخت الخشبي العتيق والثقيل الذي أهمل تحت الدرج مباشرة، وكأنهُ قطعة مشؤومة مهملة لن يستفيد منها أحد. لم أستطع التخلص منه إلا عندما ساومت أحد تجار الأثاث العتيق برفعة من البيت دون مقابل، وكان مرتعاً لمملكة حشرة الأرضة، وما أن ازيل ذلك التخت الهائل حتى بان الباب الحديدي الصغير، المرتجّ بقفل ومزلاج  كبير.
منذُ تلك اللحظة عزمت على فتحه، بفارغ صبر.فاستعنت بالحداد لأجل تلك المهمة الشاقة، التي عانى منها كثيراً قبل أن يكسرها بالرغم من الصدأ الذي طالها. كلفت الحداد جهداً كبيراً وآلات كثيرة حتى فتحه بعد أن أصابني الإعياء.. بفتح باب الفضول التي أرقتني طويلاً- ولم أؤجل الدخول بعد أن دفعت للحداد أجرته ودون أن أتفوه بكلمة واحدة لأي  كان، ولم تكن إلا ثوان قصيرة حتى انحشرت في الباب الصغير المؤدي إلى الدرج. كأني متطوّح إلى العمق الداجي وحزمة ضوئي حبل خلاصي .. كأن الأرض لينه تحت قدمي ، ستغوص بيّ ، وتبتلعني فأزيد من شد  أصابعي على المصباح الصغير..
أزحت الهلل[4] الذي لصق بوجهي عندما قفزتُ خطوتين جانباً بعدما سقطت على قدمي دواة فارغة كانت قرب المكتبة،سحبتها بطرف كمّ قميصي دون أن اعي ذلك، وأخذ قلبي يضرب كطبول مضطربة بجنازة ملك عادل، دون أن أعرف كيف فاجأني الرعب الذي كان بداخلي،الأجدر بيَّ أن اقهقه في هذه الدهمه حتى أنتصر على ذلك الخوف الغريزي الذي كان يسكن مترسباً في قعر أعماقي دون أن يظهر على السطح.
في تلك الأثناء كنتُ قد أقتربتُ بقفزتي من تخْتٍ آخر شبيه بالتخْت الذي كان يخفي باب القبو، ولم يكن عليه سوى حصير مصنوع من سعف النخيل، وقد غطاها المازن الذي نزل من ثقب الحائط وعلى بعد بضعة أصابع من الثقب رأيتُ فسيفسة نحتت على شكل تنين صيني، وبلون غامق، فوجهت حزمة الضوء الى المنضدة الثانية التي تشبه منضدة محاسب إنكليزي. برشاقتها، ودقة نقشات حافتها التي تلمستها محفورة على الخشب الصاج الذي لم يَطلها الدُّعر تأكد لي ذلك من خلال محاولتي في الضغط على حافتها القوية. بعدها فتحت الدرج الوحيد،واجهتني مجموعة من الأوراق النقدية القديمة عليها حروف غير مفهومة ومجموعة أخرى من ورق اللعب، ودفتر مذكرات يومية صغير، قررت حمله معي لأقرأه تحت ضوء كاف..
رفعتُ الدفتر وجعلته تحت إبطي الشمال دون أن اطويه، مقرراً الصعود الى البيت وأنا أحول حزمة الضوء من مكان الى آخر حولي، ورأيت آلة لفتح الورق مع بعض القصبات كالتي تُستخدم للخط بالحبر الصيني، ورأيت أن آخذ السراج الذي كان معلقاً على الحائط لفحصه وتجريبه و أواصل بعد ذلك محاولتي لاستكشاف المكان الذي لم يكن مكاناً مألوفاً، بل كان ضرباً من الخيال، ولن يكون موضع تصديق؟.




2
في السطور القادمة التي أكتبها، حكايتي ولا أريد أن يعرفها أحد قبل أن أموت و أضع لها نهاية من نهايات القرن الذي شهدت بدايته هزيمتي، و بداية ما لا أريد أن يعرفه أحد غيري،( كلمات غير واضحة) اخترت طريقة موتي في هذا القبو( كلمات غير واضحة)، ما استطعت قبل أن ينتهي ما عندي من طعام أعددته ليكفيني مدة عشرة أيام لاغيرها، وبعدها سيكون مصيري مصير أولئك الذين قرأت عنهم ما قرأته( كلمات غير واضحة) قدرته فقدرته حكماً على نفسي. ( كلمات غير واضحة) لأني أعتبر الجسد تابعا (رسمة تشبه الملك في ورق اللعب)، وبموت صاحبه عليه أن يلحقه بأي حال من الاحوال، وأن يدفن حيّاً ذلك الجسد..
تشوقت لأن أستمر في القراءة، ولكن معظم الحروف قد تشوهت، ولم أقرأ شيئاً سوى مقاطع هنا و أُخرى هناك ملخصها:
 (( انهُ أحب امرأة، وأحبتهُ حبّاً جمّاً خالصاً))، ((وتعودت أن اصنع كل شيء لنفسي، فكلما هو حولي من بناء ومحتويات .. صنعته بيديَّ هاتين التي أكتب بهما)).
 ((فتح داره مقمرة، ثم جمع مالاً كثيراً، واستطاع أن ينزع المرأة التي أحب من زوجها بعد عدّة تحديات فاز بها. ولكن أحداً آخر رسم له ما جعله يخسر المرأة والدار.. )).
تشوقت لرؤية الأشياء الموصوفة  كلها، في الأوراق المكتوبة ، ولم اكن قد شاهدت أي باب أخر في القبو. عرفتُ من خلال قطع الورق التي تفتت معظمها بين أصابعي..فآثرت أن أعود إليه من جديد!.


3
فتحتُ الباب، ورأيت رواقاً يؤدي الى باب أخر يشبه الباب الذي واجهني، وفتحته ورأيت تختاً آخر يشبه التختين الذين رأيتهما، وعليه بقايا رفات بطل قصتي برأسه الكبيرة، وجسده الصغير الذي لم يبق منه سوى عظام في ملابس مجعلكة، قبالة التخت الخشبي صورة امرأة  مرسومة بالزيت في غاية الجمال، ولم أتمالك نفسي حتى انتزعتها من الحائط، وقررت أخذها معي..فتبين لي ان ثمة بابا آخر خلفها كالباب الذي فتحه الحداد ..!.

4
في الصباح لم أحدث أحداً عما رأيت، وجلست الى منضدة الكتابة، مقرراً تدوين كل ذلك في كتاب.



   [1] الحندل : الرجل القصير جداً.
البوغاء:
التراب الذي اذ مس طار من وقته

[3] - المتاع الخسيس الذي يترك في البيت اذا انتقل ساكنه .
[4] نسيج العنكبوت.

Thursday, August 6, 2015

كازانتزاكيس انشودة نهر عظيم
محمد الأحمد
مع نفسي[1]:
 كيف يمكنني ان امنع نفسي من التحليق عالياً، واخرج من مدار الأرض وانفلت بعيداً عن كوكب الارض موطن الأديان المتعددة. كيف أكتب اسطر من تتبعٍ مرهف لنهر معرفي عظيم حفر أخاديده في روحي، والتي لن تطمر. الأيقونةُ العَلَمُ التي حاربتها كنائس الدهاقنة المتشبثون بسلطتهم الديماغوجية العاطلة عن مواصلة الحياة.
ما زال العالم يعتبر "نيكوس كازانتزاكيس" مفكراً عظيماً، فذّاً، عبقرياً، خالدأً، مُفككاً، ومُجددأ.. ولم يكن احدا بحجمه على الاطلاق. (كيف لا تطاوعني الرغبة في ان اقرا على اسماعكم ما كتبته من النص كاملا، منتهزا الفرصة الكاملة، لأقول ما كنت مختنقا به. وليتكم ايها الاصدقاء تتفهموا ما جعلني اقول ما رأيته، وما تمنيته دون اختزال)..
 ما زال الروائي حاضراً بتساؤلاته المتهادية الى الذهن التي تشبه نهرا متصافق بأمواجه المتتابعة، اوكد انه عميق وعريض بعيد الضفاف.. جرفني العًلمُ المُعلمُ فيّ فعاله الكيميائية العظيمة وبدلت كل ذائقتي، الى حدّ التماهي، بتُّ بذائقة اخرى، منفتحاً على عوالم اخرى، واخرى. باحثا عما يناسبني، وأتشربه.
يقول: "آه يا لعذوبة الحياة، كيف تغني لا مبالية- مثل الحسون ذي العنق الأحمر، منتشياً بالأجاص البري، وبالعش الدافيء الذي تلمع فيه بيضتان، قائلا "فلأزغرد أولاً، ثم احضن البيض، فلأزغرد اولاً"، ولم يفهم بعد الحسون انه يقف على فخّ الصياد[2]"..
صرت منغمساً في حيوية غاياته وملتهماً لصفحات كتبه النارية؛ اذ مرّت علي افكاره المحرضة، لتهزني هزّا، وتحرضني على فعالٍ كثيرةٍ، واستنتاجات عديدة. وقفت متأملاً مساحات فسيحة طروحات.. ولم اكن ادري انها ستكون افعالا لا تقديرَ لعواقبها تشبه حماقات متنفذة، تسلطت علي بحجم عاصفة عاتية وعالم متكامل، او جيل جديد من الأفكار الجديدة المترسخة الملهمة.
كلنا يعرف انه رجل اديرة وكنائس متعصبة، وحوارات ساخنة، بل ساخطة مع دجالين وافاقين.. سريان جارف من اليوتيبيا العظيمة، يهدم بقوة المنطق كل الاساطير التي عششت فيها اسراب الغربان السود، وهي تتراكم فوقنا (كما صورها الفريد هيتشكوك في فليمه الخالد- الطيور) وهي تفلي أجنحتها استعدادا لتباغتنا، لتهاجمنا ساعة تريد، بمواويل فضفاضة، تضرب بمناقيرها على صدورها، واجنحتها، بتباك يتلبس الكذب، والافتعال، والاصطناع. تريد استرجاع التاريخ الذي بات من الماضي، وتحاكم شخصيات اصلا لم تعد مدفونة في القبور.. غاية حضورها بتلك الصور لأجل ان تؤجل فيك التفكير، او تصادره، وتسقط عينيك بعيدا، عنهم، لتمارس فوضاها، وتعزز مواقعها.. تلك الجلاليب السود، باتت اليوم ترعب الفقراء، البسطاء، الاغبياء، التعساء..
يقول كازانتزاكي: "الانبياء في حياتهم على الارض بين البشر، قادة وثوار جاؤوا ليحققوا الحياة الكريمة للناس في هذه الدنيا، لا ليدفعوهم الى التخلي عنها"[3]..
ويقول: "ما هو الله، وها هنا كل شيء: النار هي الفردوس، وهذا الرقص هو الله، ولكن بقاءه ليس بقاء لحظة واحدة، بل بقاءه لقرون القرون"[4]  
كيف لا يكون الله حقيقياً، وهو الذي يملأ القلب بالبهجة والمحبة والعدل.. لا بالخوف والظلم.
بعد اضاءات "كازنتزاكيس"، لم اعد كما انا، حيث لم اعد اراه كما كنت اراه كما يراه العباد وترسمه الكتب الصُفر التافهة، شريرا يستوي على العرش متفرجاً، تتأرجح بين فخذيه مسبحة طويلة تصطفق خرزاتها ببعض، لتقول له انه يريد الطاعة المطلقة منا.. كأنما عملاق غبي يجب اتقاء شره. لا يشبه الله الجميل المطلق العفي الذي لا تقدر اللغة البشرية ان ترسمه اصلاً، وتصل بوصفه، فهو لا يستحق ان يكون وفق خيال البشر، فهو الذي لم يسميه احداً من انبياء الارض، باسمه. وكل من رسمه قد كان خاطئا حيث اعطاه من لغته البشرية الواحدة، ومن صفاته البشرية.
اذ بقوا يطلبون الطاعة وفي قرارة نفسهم طاعة لأنفسهم كجمهرة رجال قساة اصحاب قلوب ميتة، يغضون النظر عن عدالته الحقيقة، ويظلمون باسمه، بينما هم تحت ترليونات الملايين من سمواته. هم متنكرون لمنظار "كوبرنيكوس الكوني" العظيم من اجل ان يبقون وحدهم في مساحتهم الارضية بعيدين عن المجموعة الشمسية او المجامع الكونية الأخرى. لقد كان "كازنتزاكيس" متوافقاً مع طروحات صوفية شرقية شاخصة ابد الدهر لابن عربي والجنيد والحلاج والبسطامي؛ بعد ان تخلل دارسا للشرق من  جبال سيناء وصحاريها، والتمس الطريقة التي كان فيها النبي الملك موسى يشق البحر بعصاه، وكيف التهمت جميع الحيات التي ملأت ديوان الفرعون. - "يا ربّ طاعتك لي اهم من طاعتي لك[5]"..
كأنما اوصلني لان اكشف اسرار ماءه الغنوصي الساحر، اراه يتغلغل بين خلاياي كالأوكسجين.. متدفقاً جارياً في اخاديدي الغضّة:
-"لقد وهبني الله غرائز واندفاعات، وذبذبات ونور، وظلمات، ومادة وروحاً، وانا اختار افضل الظروف كي احول المادة الى روح، واخوض المعركة[6]"
بفضله كمعلم جريء، واسطوري بابتكار رقصة "زوربا اليوناني" المتصاعدة كالنافورة من خطوة واحدة، والى اخرى ثانية، وثالثة حتى الاحتدام.
كنت اعهد "المعلم العظيم" يراقصني كـأبن له، يحملني على صدره. بينما انا اصغي الى دقات قلبه وبين طيات كتابه العظيم.. تلك الدقات المنسرحة كخرير السواقي، بقيت تسقيني الى حدّ الانتشاء. وتحيط بي.. كنت اسبح في ملكوت احضانه، متصفحاً دقة تلك الموازنات القريبة من الله، القريبة من اسمائه المطلقة بالطاقة المطلقة، كنت اصغي اليه، واجمع ما يفيض من الدموع المترقرقة في عيني، كالندى الذي تجمعه الوردة.
كتابته موسيقى روحية تأتي مع ذلك الالتماع العفوي، الذي، يُبللني، ثم يُطيرني متسامياً، ومتحولا الى غيمة مطر، من اجل ان يسقي زهورا برية لا يمكن ان تنبت الا على قمم عالية. صفاتها من صفات شظايا ضوء ملون، يقتحم العوالم المحدودة، وليروي كل العروق في الروح الطريّة..
فما كل ذلك الانبهار الذي بقي يدفعني ويدفعني الان ان اكتب عن هذه الاسطورة الكبيرة والبليغة، والفذة؟.
منيت نفسي ان اكتبه كآلهة نَهِلَ منها نَبيّ قليلَ الحيلةَ، كثيرَ الحيرةَ، والذي بقي تائهاٌ بين المفاهيم العديدة، المتضادة، يصعب عليه نظمِها، وتبليغِها رسالة محبة جديدة..
بوحه تناسق مع مفاهيمي وتناسب مع غايات بليغة، ارادت كشفها حروفي المتمردة. وليس من العدل والحكمة ان اتوقف مراجعاً دفاتري المهترئة لأجل رسم الصورة المتكاملة عن اعظم معلم علمني كيفية انتاج كتبي: كأنما اوصاني في اول الدرس، ان أكون حذراً من تلك الامكنة العالية، التي تستشرف من فوق مسلتها العالية جميع الآلهة.. الالهة التي لا تستطيع العيش الا على عبادة سكان كوكب الأرض.
لم يمكنني ان أُوقف التفكير في "نيكوس كازانتزاكيس"، يوماً، كبقية طلبته، المسكونون بكل تلك القناعات والتفاعلات الكيميائية المنعكسة، نتعاطى الانغمار.
ثمة شيء من هنا، ومن هناك.. قد أختزن في تلك عميق الدوارق، والقوارير.. تلك الذاكرة المليئة بالشرايين والأوردة؛ مازال يأتي عليها العارف مفاعلا الاستنتاجات بالقراءات، فينتج التفاعل مادة اخرى.
معلمٌ فذٌ يُشعل، ويُفاعل الصور المجردة بسردٍ شفيفٍ.. ككل تلك الألمعيات المنعكسة من العالم الينا، من المحيط الينا، من الجدران الاربعة، وحتى سقف المكتبة.
لم نكن نغض النظر عن كائنات اختلقت فقيرة، معدمة.. وكل ما يمر عليها بسبب فداحة الوهم الكثير الغارقة فيه، لتبقى خسارتهم مستمرة.
ببالنا تتركب كل تلك المعادلات الكيمائية لتلك الأشياء العظيمة..
"نيكوس كازانتزاكيس"؛ صاف كنبع، ومرشد كفنار، ليس في طروحاته السردية- ابتذال. لم يكن حاملا لأفكار رثّة، اذ تحسبه نبياً في جبّة القانع الزاهد، لم نعهده قد كتب في الجنس المبتذل، كان مبتعدا عن الدونية البشرية، تلك التي اراها تخلّْ بشرط الادب، ومن معاني الدونية انه لم يعادِ فكرة وينصر عليها فكرته، حتى ان لم تنتصر. قرأناه محايدا، بكل ما فيه من نفس، وما ملكت يمينه من سلطة. ثم عرفناه عفيفاً بكل رزانة، ولم يكن تابعاً لاحد، ولم ينصر ايدلوجية على اخرى، بل على العكس بقي متبوعاً، مؤثراً، شاخصاً كمنار مضيء من بين الاخرين..
ولم يمت حيث مازال يدعونا لرؤية ادعياء الله "كأخوة واعداء[7]" يقفون من الآم الناس كمتفرجين.. بقلوب قاسية، دون ما اهتمام بتخليص التعساء من تعاستهم. هم يحكمون باسمه؛ يظلمون باسمه، وهم المتخمون بقداسة زائفة، المفعمون بالكراهية،  تحت اسم الله. يحكمون به جميع المخلوقات الطيبة بصور وحشية، غليظة.. أولئك سخر منهم "كازانتزاكي[8]،
فقال متسائلا-
- "ايرضى المسيح بالحالة التي جعلوه عليها؟" ويبقى الله غافلاً عنهم الى يوم يدعون[9].  

حوادث مهمة
ولد كازانتزاكيس في عام 1883 في هيراكليون[10]، ولم تكن كريت قد انضمت بعد إلى الدولة اليونانية الحديثة، (أنشئت عام 1832) وكانت لا تزال تحت حكم الإمبراطورية العثمانية، ومنذ العام 1902م.
-         ذهاب كازانتزاكيس إلى باريس في عام 1907 لدراسة الفلسفة، والسقوط تحت تأثير هنري برغسون. وكان قبلها درس القانون في جامعة أثينا، وعنوان أطروحته "فريدريش نيتشه على فلسفة الحق والدولة" طبعت في عام 1909
-         تزوج كازانتزاكيس من "جالا اليكسو" في عام 1911؛ وانفصل عنها في عام 1926م
-         تطوع في العام 1912 في الجيش اليوناني مشاركا في حرب البلقان، ثم عُيِّنَ في العام 1919 مديرًا عامًّا في وزارة الشؤون الاجتماعية في اليونان، وكان مسؤولاً عن تأمين الغذاء لحوالى 15 ألف يوناني وعن إعادتهم من القوقاز إلى اليونان. لكنه استقال بعد ذلك من منصبه
-         في عام 1914 التقى انجيلوس سيكيليانوس. سافروا معا لمدة عامين في الأماكن التي ازدهرت فيها الثقافة اليونانية المسيحية الأرثوذكسية، وتأثر إلى حدّ كبير بالحماسة الوطنية ليسكيليانوس
-         في عام 1945، أصبح زعيم حزب صغير يساري غير شيوعي، ودخل الحكومة اليونانية وزيرا ثم استقال عاجلا من المنصب في العام التالي.
-         في عام 1946، جمعية الكتاب اليونانية رشحت كازانتزاكيس للحصول على جائزة نوبل للآداب. حيث آلت الجائزة الى الفرنسي ألبير كامو 1957م بفارق نقطة واحدة، وكما أعلنتها الاكاديمية السويدية. قال كامو في وقت لاحق "أن كازانتزاكيس يستحق الشرف "مائة مرة أكثر" اكثر من نفسه".
-         عمل مديرًا في اليونسكو في العام 1946. وكانت وظيفته العمل على ترجمة كلاسيكيات العالم لتعزيز جسور التواصل بين الحضارات، خاصة بين الشرق والغرب. ثم استقال بعد ذلك ليتفرغ للكتابة.
-         1926م تزوج من الصحافية اليهودية "ايليني ساميو"، واوصاها بعد مماته ان تكتب عنه كتابا سمته "كازنتزاكيس المنشق[11]"، وحوى سيرتهما الابداعية المشتركة، بعد تغربهما معا في باريس وبرلين (1922- 1924م)، وإيطاليا، وروسيا (في عام 1925)، وإسبانيا (في عام 1932)، ثم في وقت لاحق في قبرص، وايجينا، مصر، جبل سيناء، تشيكوسلوفاكيا، نيس (في وقت لاحق انه اشترى بيتا صغيرا في انتيب، المدينة القديمة بالقرب من السور البحري الشهير)،
-         ذكر في "تقرير غريكو" أثناء وجوده في برلين، ايام كانت الأوضاع السياسية متفجرة، ان الشيوعية لم تعجبه، لكنه أصبح معجبا فلاديمير لينين. وقال انه لم يصبح شيوعيا ثابتا، حتى وان زار الاتحاد السوفيتي والتقي المعارضة اليسارية، ولكنه استطاع ان يكتسب صداقة الكاتب فيكتور سيرج.
-         بعدها شهد صعود جوزيف ستالين، وبات بخيبة أمل معه واستبدل معتقداته الوطنية القديمة تدريجيا الى أيديولوجية انسانية عامة.
-         مُنِحَ في 28 حزيران من العام 1957 جائزة لينين للسلام في مدينة فيينا.

كازنتزاكيس ونيتشه، وبوذا
إبان فترة دراسة كازنتزاكيس في باريس، تأثَّر بالفيلسوف الألماني نيتشه، الذي غيَّر نظرته كما يقول إلى الدين والحياة، ودعاه إلى التمرد على أفكاره ومعتقداته القديمة كلِّها. حتى نظرته إلى الفنِّ تغيرت، وأدرك أن دور الفن يجب ألا يقتصر على إضفاء صورة جميلة وخيالية على الواقع والحياة، بل إن مهمته الأساسية هي كشف الحقيقة، حتى لو كانت قاسية ومدمِّرة. يقول كازنتزاكيس في نيتشه:  "ما الذي قام به هذا النبي؟ وما الذي طلب منَّا أن نفعله بالدرجة الأولى؟ طلب منَّا أن نرفض العزاءات كلَّها: الآلهة والأوطان والأخلاق والحقائق، وأن نظلَّ منعزلين دون أصحاب ورفاق، وأن لا نستعمل إلا قوتنا، وأن نبدأ في صياغة عالم لا يُخجِل قلوبنا." وعلى الرغم من أنتقاده الدائم للأديان إلا أنه لم يكن ينتقد رجال الدين كأفراد، وإنما بقي الى رمقه الاخير منتقداً استخدام الدين كغطاء للتهرب من المسؤولية والعمل الفعَّال.
بعد مغادرته لباريس، مباشرة، سافر إلى فيينا. وهناك بدأ مرحلة جديدة من حياته من خلال التعرف إلى بوذا، حيث عكف على دراسة المناسك والتعاليم البوذية، وحسب وجهة نظره أن دين المسيح كان ينظر إلى الحياة نظرةً مبسَّطة ومتفائلة جدًّا، على عكس بوذا الذي ينظر إلى الكون بعين ثاقبة وعميقة. لقد أحب بوذا بوصفه معلمًا ومرشدًا روحيًّا ومخلِّصًا. يقول كازنتزاكيس في بوذا: "من بين الناس الذين ولدتْهم الأرضُ جميعًا يقف بوذا متألقًا في الذروة، روحًا نقية خالصة، دون خوف أو ألم، مليئًا بالرحمة والحكمة. كان يمدُّ يده ويفتح الطريق إلى الخلاص وهو يبتسم بوقار، والكائنات كلُّها تتبعه دون تفكير، وتخضع بحرية." و لقد كان بوذا في نظر كازنتزاكيس المرشد الذي نظَّم فوضى أسئلته، وأعطاه السكينة والسلام الداخليين.

مؤلفاته وتراجمه :
(1. تصوف، او مخلِّصو الله[12]، 2.الثعبان والزنبقة[13]، 3. الحرية أو الموت[14] "الكابتن ميخائيل"، 4. فقير أسيزي "القديس فرانسيس الاسيزي[15]، 4. الأخوة الأعداء[16]، 5. زوربا اليوناني، 6. الإغواء الأخير للمسيح[17]، 7. الأوديسة: ملحمة مؤلَّفة من 33.333 بيتًا. وقد بدأها من حيث انتهت أوديسة هوميروس، وقد اعتُبِرَ هذا العملُ ثورةً في المفردات اللغوية والأسلوبية، كما أظهر مدى عمق معرفة كازنتزاكيس بعلم الآثار، والأنثروبولوجيا. 8. "المسيح يصلب من جديد[18]"، 9. "تقرير إلى غريكو[19]". ونشرتْ زوجتُه هذا الكتاب بعد وفاته في العام 1961 بعد ان جمعتها كمذكرات اذ كانت منشورة في اماكن متفرقة. 10 الحديقة الصخرية[20])
(الكوميديا الإلهية لدانتي. "دون كيخوتي ديلامانشا" لثربانتس. "هكذا تكلم زاردشت" لنيتشه. الإسكندر الأكبر (كتاب للأطفال[21])،
تعرضتْ اغلب أعمال "كازنتزاكيس" للرقابة المشددة، ومُنعَت في بعض دول العالم، بسبب كتاب "الإغواء الأخير للمسيح" الذي نُشِرَ في العام 1951 اعتُبِرَ الأكثر إثارة للجدل، إلى درجة أن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية منعت الكتاب، وحضرته؛ فقد عمد البابا آنذاك إلى إدراجه ضمن لائحة الكتب الممنوعة في الفاتيكان سنة 1954م.

وفاته، وذكراه
في ليلة ماطرة (توفي في عام 1957/10/26) عن عمر يناهز 74... بينما كان زائرا اليابان، سقط بعد معاناته من سرطان الدم. ونُقِلَ جثمانُه إلى أثينا. ولكن الكنيسة الأرثوذكسية عارضت ومنعت تشييعه، كما رفضت الكنيسة الأرثوذكسية دفنه في مقبرة أهله، وثم دفن في مدينة هيراكليون بالقرب من بوابة "خانيا"، منطقة محاذية لكريت التي عشقها، اما شاهدة قبره حملت، بناءً على طلبه،
-"لا آمل في شيء، ولا أخشى شيئا... فأنا حُرْ".
في الذكرى الخمسين لوفاته وضعت اليونان صورته على عملة العشرة يورو حيث سُكَت في 2007م، وظهر على الوجه الآخر للعملة الشعار الوطني اليوناني مع توقيعه البديع. وكانه يقول: "عبث في عبث، ارى الاصدقاء؛ احبتي يواصلون العبث واللا جدوى، حيث لا رسالة نبيلة تحركهم، لا افقٌ مفتوحٌ يمدون نظرهم اليه - نحو السموات الأخرى، ارى الأغلب منهم يوهم نفسه بالوهم الفاقع"..
وايضا خُصِّصَ له متحفٌ صغير في جزيرته كريت، واحتوى هذا المتحف على أشيائه الشخصية ومجموعة قيِّمة من المخطوطات والرسائل، بالإضافة إلى النسخ الأولية لكتبه، وصور ومقالات كُتِبَتْ عن حياته وأعماله.
تقول عنه زوجته: "كان نقيًّا وبريئًا وعذبًا بلا حدود مع الآخرين؛ أما مع نفسه فقد كان شديد القسوة، ربما لإحساسه بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه وحجم العمل المطلوب منه، ولأن ساعاته في الحياة محدودة".

كتبه مع السينما
تمَّ إخراج خمسة أفلام أُخِذَتْ عن رواياته، وهي: الهوى اليوناني[22]، وزوربا[23]، والإغواء الأخير للمسيح، ومؤخرًا، فيلم مأخوذ عن كتاب الإسكندر الأكبر، ثم "هرقل بن زيوس"  الذي انتجته شركة "والت دزني"، وحصل على "ثمانية من جوائز الاوسكار".. لكن الاشهر بين روايات صار الاشهر، وهو "زوربا اليوناني" عام 1964 للمخرج "مايكل كاكويانيس". وفي عام 1988م أنتج فيلم "الإغواء الأخر للمسيح" للمخرج الأمريكي "مارتن سكورسيس".. ولم ترض عنه الكنيسة ايضاً.
‏الثلاثاء‏، 28‏ تموز‏، 2015



[1]  أغلب الكتب التي اقتنيتها في مكتبتي، بقيت نظيفة، حيث لا هوامش، وخطوط، وحتى الاشارات تندر، ولن تجدوا فيها الا بعض الطيات، حيث اتوقف، واعاود القراءة.. ولكن مع بعض الكتب، العظيمة خصوصاً، يختلف الامر تماماً.. حيث تكثر فيها الاشارات، والخطوط المتواصلة تحت العبارات العظيمة، حيث احتاج الى الاستشهاد بها، هنا او هناك. باستثناء مجموعة مؤلفات كازانتزاكي.. يكاد الخط الواحد، تحت العبارة الواحدة، يصل امتداده من الغلاف الى الغلاف.
[2]  المنشق ص67
[3] الاخوة الأعداء ترجمة المهدوي
[4]  الأخوة الاعداء – ص23
[5]  المقولة شهيرة للمتصوف ابي يزيد البسطامي..
[6] كازانتزاكي المنشق ص105
[7]  الاخوة الاعداء: اعدها مع نفسي من اهم الروايات العالمية على الاطلاق، حيث كتبت لتجرد الكنيسة من مقدسها المهيب، وتنطق باسم "الاب يارونوس" ما يعجز به اللسان البشري كانما يحاكم الالهة التي تخلت عن المظلومين، تدور احداثها في قرية كاستلوس اليونانية.
[8] "ماذا يفعل روث البهائم حين يوضع في الأرض؟، يتحول الى فاكهة، الى عسل، وعطر، ولبٍّ طارجٍ. اذن ليكن مباركاً هذا الروث، ولتكن مباركة بطن الأنسان" الاخوة الأعداء..
[9]  من رواية  الاخوة الاعداء..
[10]  مدينة هرقل ابن الرب اوزيس كما يحلو له التسمية.
[11]  ترجمة محمد علي اليوسفي
[12] ترجمة سيد احمد على بلال – الطبعة الاولى عن دار المدى 1898
[13]  ترجمة سهيل نجم..
[14]  ترجمة سعد زغلول نصار- عن الهيئة المصرية، وللأسف كانت تشوبها الكثير من الاغلاط والاخطاء الطباعية..
[15]  ترجمة سهيل نجم – دار التكوين  السورية 2010م
[16]  ترجمة اسماعيل المهدوي – الطبعة الاولى عن الدار المصرية 1967
[17] ترجمة اسامة منزلجي – دار المدى 2002م
[18]  ترجمة شوقي جلال – دار التنوير 1974م..
[19] ترجمة ممدوح عدوان -
[20] ترجم اسامة اسبر – دار الطليعة الجديدة 1999
[21] بنفسه ترجمه الى الفرنسية.
[22]  لم اعرف عنه شيئاً.. اذا ذكرته بعض المواقع المختصة بالسينما
[23] من بطولة  انتوني كوين..